صفات الله تعالى
يقول المؤلف:
صفات الله - تعالى-: ثم الإيمان بصفات الله - تبارك وتعالى -: بأن الله حي ناطق، سميع بصير، يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، وأنه حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم.
يسمع ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، ويقبض ويبسط، ويأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه.
يميت ويحي، ويفقر ويغني، ويغضب ويرضى، ويتكلم ويضحك، لا تأخذه سنة ولا نوم، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس، إلا في كتاب مبين.
--------------------------------------------------------------------------------
نعم، هذه المسألة في صفات الله -عز وجل -، صفات الله -عز وجل-: هي التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة، وأسماء الله الحسنى مشتملة على معان، مشتملة على الصفات؛ ليست جامدة، بل هي مشتقة.
كل اسم من أسماء الله مشتمل على صفة: "الله"- لفظ الجلالة- أعرف المعارف، وهو خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به غيره، وهو لفظ فيه صفة الألوهية.
الرحمن: مشتمل على صفة الرحمة. العليم: مشتمل على صفة العلم ،القدير: مشتمل على صفة القدرة، وهكذا الحكيم: صفة الحكمة.
جميع الأسماء الحسنى مشتقة، مشتملة على الصفات، لكن الصفات لا يُشْتَقُّ منها اسم لله مثل: صفة الغضب: لا يشتق لله اسم الغاضب، الرضا: لا يشتق لله اسم الراضي؛ الصفات لا يؤخذ منها أسماء لله، لكن الأسماء مشتملة على الصفات.
وأسماء الله وصفاته توقيفية، ومعنى توقيفية: أنها يوقف فيها عند النصوص؛ فلا نثبت اسما لله وصفة إلا إذا ورد في الكتاب والسنة؛ ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات لله من عند أنفسهم، بل الأسماء والصفات توقيفية؛ يوقف فيها عند النصوص.
فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في الكتاب والسنة، وجب إثباته، وما ورد في الكتاب والسنة نفيه عن الله، وجب نفيه: كما في السِنَة والنوم: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .
وما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه: لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيز، والعرض والحد والجهة، والأبعاض والأغراض؛ كل هذه الصفات أحدثها أهل الكلام، لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، مشتملة على حق وباطل.
ومن أثبتها؛ فإننا نسأله، ونستفسر، ونقول: ماذا تريد؟ إن أراد معنًى حقا قبلنا المعنى الحق، ورضينا اللفظ، ونقول له: هذا المعنى الحق صحيح، ولكن عبر بألفاظ النصوص.
وأن أراد معنى باطلا رددنا اللفظ والمعنى؛ فالأسماء والصفات توقيفية، ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات من عند أنفسهم، بل يجب الوقوف عند النصوص.
قال المؤلف -رحمه الله -:" صفات الله - تعالى- ثم الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى- ".
يعني: يجب أن نؤمن بصفات الله؛ يجب إثبات صفات: العلم والقدرة، والسمع والبصر، وهكذا..، والأسماء التي وردت في النصوص: الخالق البارئ، المصور الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر..، إلى غير ذلك مما ورد في النصوص؛ يجب الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى-.
قال المؤلف: "يجب الإيمان بأن الله حيّ ". حيٌّ: هذا ورد، من أعظم أسماء الله: الحي القيوم؛ حتى قيل: إنهما اسم الله الأعظم، يقول -تعالى-: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الحي من أسماء الله، ومشتمل على صفة الحياة.
وأسماء الله نوعان:
نوع خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به إلا هو، مثل: الله، الرحمن، خالق الخلق، مالك الملك، الضار النافع، المعطي المانع، رب العالمين، هذا يُسَمَّى به الله.
النوع الثاني: أسماء مشتركة: العزيز: من أسماء الله العزيز، والمخلوق يسمى العزيز: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الحي، السميع، البصير؛ قال -تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .
فالحي من أسماء الله المشتركة؛ يطلق على المخلوق: حي، ومن أسماء الله الحي، السميع البصير: مشتركة.
" ثم الإيمان بصفات الله بأن الله حي ناطق"
فقوله: ناطق: تسمية الله بالناطق ليس عليها دليل؛ لأنه لم يأت نص بإطلاق أن من أسماء الله الناطق، هكذا، لكن الحديث الذي ذكره في الحاشِيَة عن الآجُرِيِّ: إن الله -عز وجل- ينشأ السحاب، ويضحك أحسن الضحك، وينطق أحسن النطق. لو صح، فإنه يقتصر على لفظ الفعل.
فيقال: ينطق أحسن النطق، ويضحك، مثل: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ؛ يقال: مَكَرَ اللهُ مَنْ مَكَرَه، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا يكيد الله من كاده، ولا يشتق لله اسم منها؛ فلا يقال: من أسماء الله: الماكر ولا الكائد ولا الناطق، بل ما جاء على لفظ الفعل، يبقى على لفظ الفعل.
يقول المؤلف -رحمه الله-: "حي ناطق " إطلاق اسم الناطق، وأنه يشتق لله اسم، ويقال: إن من أسمائه الناطق. هذا ليس عليه دليل، وإنما لو صح الحديث: "ينطق أحسن النطق"؛ يقال: إن الله ينطق فقط، ولا يقال: إن من أسمائه: الناطق.
بخلاف: "العليم، السميع، البصير": هذا أطلقه الله على نفسه، "سميع بصير": هذان من أسماء الله، أطلقهما الله على نفسه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى نعم، من صفات الله: يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، كل هذا يعلمه الله.
هذا داخل في عموم قول الله - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وإنه: حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم؛ كل هذا من أسمائه، كلها وردت في الكتاب.
يطلق على المخلوق: حكيم، عليم، عزيز، وقدير، ورءوف، مثل قوله - تعالى-: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وصف الله نبيه بأنه: رءوف رحيم.
" يسمع ويرى ". نعم، كل هذا من صفاته،ويقول: " وهو بالمنظر الأعلى": هذا الوصف ليس عليه دليل.
ذكر المحشي أنه: جاء في بعض الآثار عن الصحابة أن: الحسين بن علي كان يدعو في وتره: " اللهم أنت ترى، ولا تُرَى، وأنت بالمنظر الأعلى " هذا -لو صح -فإنه موقوف على الحسين.
لكن لو قال المؤلف -رحمه الله - بدلا من: " وهو بالمنظر الأعلى " لو قال: يسمع، ويرى، وهو في السماء، أو فوق السماوات العلى، أو على العرش استوى؛ لكان أحسن.
ثم قال: " يقبض ويبسط ". نعم، هذا جاء: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - بنص القرآن- هذه من صفات الأفعال.
"ويأخذ ويعطي ". نعم، هذا جاء: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ويأخذ الصدقات يأخذ، ويعطي أيضا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
"وهو على عرشه بائن": يعني: أنه ليس مختلطا بالمخلوقات، منفصل عن المخلوقات؛ الله -تعالى- فوق العرش، العرش سقف المخلوقات، ونهايتها، وليس فوقه شيء، والله فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات.
والله ليس بحاجة للعرش، ولا لغيره؛ فهو الحامل للعرش، ولحملة العرش؛ بقوته وقدرته.
" وهو بائن من خلقه ": يعني: أنه منفصل عن المخلوقات، يعني: أنه لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وهو على عرشه بائن من خلقه.
وهذا فيه الرد على الجهمية الذين يقولون: إن الله -تعالى- مختلط بالمخلوقات.
الجهمية طائفتان:
طائفة تقول: إن الله في كل مكان: في السماء، وفي الأرض، وفي كل مكان؛ حتى قالوا: في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان. - تعالى- الله عما يقولون، وهذا كفر وضلال.
والطائفة الثانية -منهم الجهمية المتأخرون-: يثبتون النقيضين: أنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه. إيش يكون؟..عدم؟ بل المبتدعة أشد من العدم، ممتنع مستحيل، أعوذ بالله.
هذه الطائفة الثانية من الجهمية، الطائفة الأولى يقولون: في كل مكان، تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فقوله: " يأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه، يميت ويحي. " هذا نص في القرآن للصفات، "يحي ويميت، ويفقر ويغني ": كل هذا من الصفات.
" ويغضب ويرضى": غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وأيضا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ويتكلم: نعم: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ويضحك: جاء في الحديث: يضحك الله إلى رجلين: يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة وهذا ورد في السنة.
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ هذا من صفات النفي، السِنَةُ: النعاس، مبادئ النوم، النوم: النوم المستغرق، الله -تعالى- لا تأخذه سنة ولا نوم.
وصفات الله نوعان: الصفات السلبية، والصفات الثبوتية:
الصفات الثبوتية مثل: يغضب ويرضى، والصفات السلبية مثل: لا تأخذه سنة ولا نوم.
لكن الصفات السلبية ليست نفيا محضا، بل هي مُسْتَلْزِمَةٌ لكمال ضدها، بل هي مستلزمة لثبوت ضدها من الكمال: لا تأخذه سنة ولا نوم لماذا؟ لكمال حياته وقيوميته؛ لا تأخذه سنة ولا نوم.
أما المخلوق فحياته ضعيفة ناقصة، فلذا يحتاج إلى النوم حتى يرتاح؛ لأن حياته ليست كاملة، أما الرب حياته كاملة؛ فلا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يئوده حفظهما؛ لكمال قوته واقتداره: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه.. وهكذا.
فالنفي الوارد في صفة الله ليس محضا، بل هو مُسْتَلْزِمٌ ثبوت ضده من الكمال؛ لأن النفي المحض ليس فيه مدح؛ قد تصف الجماد بالنفي المحض: الجدار لا يسمع، ولا يبصر، هل هذا فيه مدح ؟
متى يكون النفي مدحا؟ إذا استلزم ثبوت ضده من الكمال: لا تأخذه سِنَة ولا نوم: ما هو ضد السِنَة والنوم؟ الحياة؛ لكمال حياته وقيوميته، لا يئوده حفظهما؛ لكمال قوته واقتداره.
لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله.
أما فلان لا يظلم: فقد يُظَنُّ أنه عاجز، ولا يقصد كمالا؛ العاجز ما يظلم، مثلما قال الشاعر يهجو قومه؛ لما استنصرهم فلم ينصروه لضعفهم؛ قال: لكــن قــومي وإن كـانوا ذوى عـددٍ
ليسـوا مـن الشـر فـي شيء وإن هانا
يَجْـزُون مــن ظلمِ أهل الظلم مــغفرةً
ومـن إســاءة أهـل السـوء إحسـانا
قومي عددهم كثير، لكن ليسوا من الظلم في شيء، ولو كان قليلا ما يظلمون.
يجزون لأهل الظلم مغفرة: إن ظلمهم أحد صفحوا عنه، وغفروا له، وإذا أساء إليهم أحد أحسنوا إليه؛ لعجزهم، لأنهم عاجزون، ما يستطيعون هذا؛ ولذلك صغرهم، وقال: " قُبَيِّلة " حين قال:
قُبَيِّلـةٌ لا يغــدرون بـذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردلِ
وإنما يُمْدَحُ متى؟ إذا كان الظلم مع القدرة؛ مع القدرة يكون المدح، مع العجز ما يكون المدح؛ ما يظلمون لعجزهم، ولو استطاعوا لظلموا.
لكن الرب لا يظلم؛ لكمال عدله، لا لعجزه: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ لكمال علمه.
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لكمال حياته وقيوميته.
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ الآية من الأنعام، كل هذا نفاه الله عنه؛ كل شيء يعلمه الله؛ ما يعزب عنه مثقال ذرة، ولا رطب، ولا يابس، ولا حبة في ظلمات الأرض إلا في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ؛ مكتوب فيه كل شيء، نعم.
يقول المؤلف:
صفات الله - تعالى-: ثم الإيمان بصفات الله - تبارك وتعالى -: بأن الله حي ناطق، سميع بصير، يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، وأنه حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم.
يسمع ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، ويقبض ويبسط، ويأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه.
يميت ويحي، ويفقر ويغني، ويغضب ويرضى، ويتكلم ويضحك، لا تأخذه سنة ولا نوم، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس، إلا في كتاب مبين.
--------------------------------------------------------------------------------
نعم، هذه المسألة في صفات الله -عز وجل -، صفات الله -عز وجل-: هي التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة، وأسماء الله الحسنى مشتملة على معان، مشتملة على الصفات؛ ليست جامدة، بل هي مشتقة.
كل اسم من أسماء الله مشتمل على صفة: "الله"- لفظ الجلالة- أعرف المعارف، وهو خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به غيره، وهو لفظ فيه صفة الألوهية.
الرحمن: مشتمل على صفة الرحمة. العليم: مشتمل على صفة العلم ،القدير: مشتمل على صفة القدرة، وهكذا الحكيم: صفة الحكمة.
جميع الأسماء الحسنى مشتقة، مشتملة على الصفات، لكن الصفات لا يُشْتَقُّ منها اسم لله مثل: صفة الغضب: لا يشتق لله اسم الغاضب، الرضا: لا يشتق لله اسم الراضي؛ الصفات لا يؤخذ منها أسماء لله، لكن الأسماء مشتملة على الصفات.
وأسماء الله وصفاته توقيفية، ومعنى توقيفية: أنها يوقف فيها عند النصوص؛ فلا نثبت اسما لله وصفة إلا إذا ورد في الكتاب والسنة؛ ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات لله من عند أنفسهم، بل الأسماء والصفات توقيفية؛ يوقف فيها عند النصوص.
فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في الكتاب والسنة، وجب إثباته، وما ورد في الكتاب والسنة نفيه عن الله، وجب نفيه: كما في السِنَة والنوم: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .
وما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه: لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيز، والعرض والحد والجهة، والأبعاض والأغراض؛ كل هذه الصفات أحدثها أهل الكلام، لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، مشتملة على حق وباطل.
ومن أثبتها؛ فإننا نسأله، ونستفسر، ونقول: ماذا تريد؟ إن أراد معنًى حقا قبلنا المعنى الحق، ورضينا اللفظ، ونقول له: هذا المعنى الحق صحيح، ولكن عبر بألفاظ النصوص.
وأن أراد معنى باطلا رددنا اللفظ والمعنى؛ فالأسماء والصفات توقيفية، ليس للعباد أن يخترعوا أسماء وصفات من عند أنفسهم، بل يجب الوقوف عند النصوص.
قال المؤلف -رحمه الله -:" صفات الله - تعالى- ثم الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى- ".
يعني: يجب أن نؤمن بصفات الله؛ يجب إثبات صفات: العلم والقدرة، والسمع والبصر، وهكذا..، والأسماء التي وردت في النصوص: الخالق البارئ، المصور الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر..، إلى غير ذلك مما ورد في النصوص؛ يجب الإيمان بصفات الله -تبارك وتعالى-.
قال المؤلف: "يجب الإيمان بأن الله حيّ ". حيٌّ: هذا ورد، من أعظم أسماء الله: الحي القيوم؛ حتى قيل: إنهما اسم الله الأعظم، يقول -تعالى-: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الحي من أسماء الله، ومشتمل على صفة الحياة.
وأسماء الله نوعان:
نوع خاص بالله؛ لا يُسَمَّى به إلا هو، مثل: الله، الرحمن، خالق الخلق، مالك الملك، الضار النافع، المعطي المانع، رب العالمين، هذا يُسَمَّى به الله.
النوع الثاني: أسماء مشتركة: العزيز: من أسماء الله العزيز، والمخلوق يسمى العزيز: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الحي، السميع، البصير؛ قال -تعالى-: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .
فالحي من أسماء الله المشتركة؛ يطلق على المخلوق: حي، ومن أسماء الله الحي، السميع البصير: مشتركة.
" ثم الإيمان بصفات الله بأن الله حي ناطق"
فقوله: ناطق: تسمية الله بالناطق ليس عليها دليل؛ لأنه لم يأت نص بإطلاق أن من أسماء الله الناطق، هكذا، لكن الحديث الذي ذكره في الحاشِيَة عن الآجُرِيِّ: إن الله -عز وجل- ينشأ السحاب، ويضحك أحسن الضحك، وينطق أحسن النطق. لو صح، فإنه يقتصر على لفظ الفعل.
فيقال: ينطق أحسن النطق، ويضحك، مثل: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ؛ يقال: مَكَرَ اللهُ مَنْ مَكَرَه، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا يكيد الله من كاده، ولا يشتق لله اسم منها؛ فلا يقال: من أسماء الله: الماكر ولا الكائد ولا الناطق، بل ما جاء على لفظ الفعل، يبقى على لفظ الفعل.
يقول المؤلف -رحمه الله-: "حي ناطق " إطلاق اسم الناطق، وأنه يشتق لله اسم، ويقال: إن من أسمائه الناطق. هذا ليس عليه دليل، وإنما لو صح الحديث: "ينطق أحسن النطق"؛ يقال: إن الله ينطق فقط، ولا يقال: إن من أسمائه: الناطق.
بخلاف: "العليم، السميع، البصير": هذا أطلقه الله على نفسه، "سميع بصير": هذان من أسماء الله، أطلقهما الله على نفسه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى نعم، من صفات الله: يعلم السر وأخفى، وما في الأرض والسماء، وما ظهر، وما تحت الثرى، كل هذا يعلمه الله.
هذا داخل في عموم قول الله - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وإنه: حكيم عليم، عزيز قدير، ودود رؤوف رحيم؛ كل هذا من أسمائه، كلها وردت في الكتاب.
يطلق على المخلوق: حكيم، عليم، عزيز، وقدير، ورءوف، مثل قوله - تعالى-: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وصف الله نبيه بأنه: رءوف رحيم.
" يسمع ويرى ". نعم، كل هذا من صفاته،ويقول: " وهو بالمنظر الأعلى": هذا الوصف ليس عليه دليل.
ذكر المحشي أنه: جاء في بعض الآثار عن الصحابة أن: الحسين بن علي كان يدعو في وتره: " اللهم أنت ترى، ولا تُرَى، وأنت بالمنظر الأعلى " هذا -لو صح -فإنه موقوف على الحسين.
لكن لو قال المؤلف -رحمه الله - بدلا من: " وهو بالمنظر الأعلى " لو قال: يسمع، ويرى، وهو في السماء، أو فوق السماوات العلى، أو على العرش استوى؛ لكان أحسن.
ثم قال: " يقبض ويبسط ". نعم، هذا جاء: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ - بنص القرآن- هذه من صفات الأفعال.
"ويأخذ ويعطي ". نعم، هذا جاء: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ويأخذ الصدقات يأخذ، ويعطي أيضا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
"وهو على عرشه بائن": يعني: أنه ليس مختلطا بالمخلوقات، منفصل عن المخلوقات؛ الله -تعالى- فوق العرش، العرش سقف المخلوقات، ونهايتها، وليس فوقه شيء، والله فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات.
والله ليس بحاجة للعرش، ولا لغيره؛ فهو الحامل للعرش، ولحملة العرش؛ بقوته وقدرته.
" وهو بائن من خلقه ": يعني: أنه منفصل عن المخلوقات، يعني: أنه لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وهو على عرشه بائن من خلقه.
وهذا فيه الرد على الجهمية الذين يقولون: إن الله -تعالى- مختلط بالمخلوقات.
الجهمية طائفتان:
طائفة تقول: إن الله في كل مكان: في السماء، وفي الأرض، وفي كل مكان؛ حتى قالوا: في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان. - تعالى- الله عما يقولون، وهذا كفر وضلال.
والطائفة الثانية -منهم الجهمية المتأخرون-: يثبتون النقيضين: أنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه. إيش يكون؟..عدم؟ بل المبتدعة أشد من العدم، ممتنع مستحيل، أعوذ بالله.
هذه الطائفة الثانية من الجهمية، الطائفة الأولى يقولون: في كل مكان، تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فقوله: " يأخذ ويعطي، وهو على عرشه بائن من خلقه، يميت ويحي. " هذا نص في القرآن للصفات، "يحي ويميت، ويفقر ويغني ": كل هذا من الصفات.
" ويغضب ويرضى": غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وأيضا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ويتكلم: نعم: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ويضحك: جاء في الحديث: يضحك الله إلى رجلين: يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة وهذا ورد في السنة.
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ هذا من صفات النفي، السِنَةُ: النعاس، مبادئ النوم، النوم: النوم المستغرق، الله -تعالى- لا تأخذه سنة ولا نوم.
وصفات الله نوعان: الصفات السلبية، والصفات الثبوتية:
الصفات الثبوتية مثل: يغضب ويرضى، والصفات السلبية مثل: لا تأخذه سنة ولا نوم.
لكن الصفات السلبية ليست نفيا محضا، بل هي مُسْتَلْزِمَةٌ لكمال ضدها، بل هي مستلزمة لثبوت ضدها من الكمال: لا تأخذه سنة ولا نوم لماذا؟ لكمال حياته وقيوميته؛ لا تأخذه سنة ولا نوم.
أما المخلوق فحياته ضعيفة ناقصة، فلذا يحتاج إلى النوم حتى يرتاح؛ لأن حياته ليست كاملة، أما الرب حياته كاملة؛ فلا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يئوده حفظهما؛ لكمال قوته واقتداره: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه.. وهكذا.
فالنفي الوارد في صفة الله ليس محضا، بل هو مُسْتَلْزِمٌ ثبوت ضده من الكمال؛ لأن النفي المحض ليس فيه مدح؛ قد تصف الجماد بالنفي المحض: الجدار لا يسمع، ولا يبصر، هل هذا فيه مدح ؟
متى يكون النفي مدحا؟ إذا استلزم ثبوت ضده من الكمال: لا تأخذه سِنَة ولا نوم: ما هو ضد السِنَة والنوم؟ الحياة؛ لكمال حياته وقيوميته، لا يئوده حفظهما؛ لكمال قوته واقتداره.
لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ لكمال علمه، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله.
أما فلان لا يظلم: فقد يُظَنُّ أنه عاجز، ولا يقصد كمالا؛ العاجز ما يظلم، مثلما قال الشاعر يهجو قومه؛ لما استنصرهم فلم ينصروه لضعفهم؛ قال: لكــن قــومي وإن كـانوا ذوى عـددٍ
ليسـوا مـن الشـر فـي شيء وإن هانا
يَجْـزُون مــن ظلمِ أهل الظلم مــغفرةً
ومـن إســاءة أهـل السـوء إحسـانا
قومي عددهم كثير، لكن ليسوا من الظلم في شيء، ولو كان قليلا ما يظلمون.
يجزون لأهل الظلم مغفرة: إن ظلمهم أحد صفحوا عنه، وغفروا له، وإذا أساء إليهم أحد أحسنوا إليه؛ لعجزهم، لأنهم عاجزون، ما يستطيعون هذا؛ ولذلك صغرهم، وقال: " قُبَيِّلة " حين قال:
قُبَيِّلـةٌ لا يغــدرون بـذمة
ولا يظلمون الناس حبة خردلِ
وإنما يُمْدَحُ متى؟ إذا كان الظلم مع القدرة؛ مع القدرة يكون المدح، مع العجز ما يكون المدح؛ ما يظلمون لعجزهم، ولو استطاعوا لظلموا.
لكن الرب لا يظلم؛ لكمال عدله، لا لعجزه: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لكمال عدله، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ لكمال علمه.
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لكمال حياته وقيوميته.
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ الآية من الأنعام، كل هذا نفاه الله عنه؛ كل شيء يعلمه الله؛ ما يعزب عنه مثقال ذرة، ولا رطب، ولا يابس، ولا حبة في ظلمات الأرض إلا في كتاب مبين، وهو اللوح المحفوظ؛ مكتوب فيه كل شيء، نعم.